
المترجم المبتدئ، لنبدأ سويةً
في زحمة المُترجمين والمُدربين ومن يدَّعي إجادة الترجمة ومن يسعى فعلاً للنهوض بمهنة الترجمة، أُقدِّم هذه النقاط البسيطة للمترجمين الجُدد الذي يسعون لإيجاد موطئ قدم في هذه المهنة المُتعبة والمُتطلِّبة. وأتمنى من الجميع التعليق بإضافة أي نقاط يرونها مناسبة لتعُم الفائدة.
قبل البدء، أفترض أن الشخص الذي يقرأ هذه المقالة هو مترجم، بمعنى أنه يجيد اللغة المصدر واللغة الهدف إجادة ممتازة ويعرف مبادئ الترجمة وأسسها، فإن لم تكن قد وصلت لهذه المرحلة بعد، ابحث في مكان آخر عن وسائل لتتمكن من اللغات التي ستعمل بها وإلا فإنك ستبقى تراوح في مكانك.
أين أبدأ؟!
ربما يكون هذا أول سؤال يطرحه المترجم. أين أبدأ؟ هذه المرحلة حرجة بالفعل. سأختصر الجواب عليكم بحكم خبرتي المتواضعة. إذا وجدت مكتباً أو مؤسسة محترمة تُقدِّم التدريب للمترجمين الجدد فخير ونعمة، والشرط هنا أن يرى المترجم المتدرب تصحيح أخطائه ويتلقى التوجيه والإرشاد. أما الأسلوب المُتبَّع لدى الكثير من الشركات في أن تستخدم المترجم المبتدئ بطريقة استغلالية ودون تقديم أي إرشاد له فهذا إضاعة وقت وجهد المترجم حتى لو كان مبتدئاً لأنه ببساطة سيُخطئ ولن يعرف خطأه وقد يستمر عليه. وكم رأيت من مترجمين يدَّعون خبرة سنين في الترجمة ولكنهم فعلياً لا يفقهون شيئاً ربما لأنهم لم يجدوا من يصحح لهم أخطاءهم في بداية مسيرتهم.
الخيار الثاني، وهذا ما أفضله، هو الانترنت. الانترنت كنز للمترجم، وهو مليء بالمصادر ثنائية اللغة. يمكن للمترجم التدرُّب بانتقاء المصادر المناسبة وترجمتها إلى لغته الهدف ومن ثم تصحيح أخطائه. هذا الأسلوب طبعاً يتطلب التزاماً كبيراً من جهة المترجم، والالتزام في الترجمة شرط من شروط النجاح في هذه المهنة.
ومعظم المؤسسات الحكومية والمنظمات العالمية لديها مواقع باللغتين العربية والإنكليزية، مثل الأمم المتحدة واليونيسف والبنك الدولي ووزارات الصحة في الكثير من الدول المتقدمة وحتى الدوائر التعليمية، وغيرها الكثير الكثير. ما عليك سوى اختيار الوثيقة التي ترغب بترجمتها وترجمها بنفسك ثم صحح ترجمتك! وإذا استثمرت بضعة أشهر في هذا العمل ستلاحظ تحسناً هائلاً في مهاراتك وقدراتك. ولكن الالتزام مرة أخرى، هذا عمل ويجب أن تعتبره عملاً ويجب أن يكون التدريب يومياً. بعد هذه الأشهر القليلة، قد تكون قادراً على قبول أول عمل ترجمة لك! ومهمتك الآن هي البحث عن المواقع التي تراها مناسبة والبدء بالترجمة.
اعرف ما تترجمه
يجب ألا تقبل أي عمل ترجمة قبل الاطلاع على العمل بالكامل أو على الأقل الاطلاع على أجزاء منه لتعرف طبيعة العمل الذي ستقبله. من الأخطاء التي يرتكبها الكثير من المترجمين هو العمل في جميع المجالات، هذا يعني أنك لن تستطيع إجادة أي مجال إجادة كاملة. لتكون مترجماً ناجحاً يجب أن تركز على عدد محدود من المجالات وتتقنه. فإذا اتصلت بعميل على سبيل المثال وقلت له: أنا أترجم في المجالات الطبية والقانونية والسياسية والعلمية والفيزيائية و و و، فهذا العميل يستحيل أن يؤخذك على محمل الجد لأنك ببساطة يستحيل أن تتقن كل هذه المجالات المتخصصة. اعرف ميولك والمجال الذي تحبه واكسب خبرة فيه عبر القراءة والبحث والممارسة.
الاختبارات
جميعنا قمنا بعدد كبير من الاختبارات خاصة في بداية حياتنا المهنية. وعلى الرغم من أن الاختبارات جيدة للحُكم على مستوى المترجم إلا أنها قد تكون مضيعة للوقت. ويرفض الكثير من المترجمين القيام باختبارات مجانية، ولكن المترجم المبتدئ قد لا يكون لديه خيار سوى القيام بالاختبار الذي يفرضه العميل. والكثير يستخدم “حيلة” الاختبارات لإنجاز العمل مجاناً، فمن السهل جداً أن يكون لدي عمل ترجمة يتألف من 2000 كلمة، وأوزعه على أربع مترجمين على أساس اختبار من 500 كلمة! والنتيجة؟ المُترجم عمل بلا مُقابل وأنا حصلت على مبلغ لا بأس به من المال بأدنى جهد!
الاختبار ليكون اختباراً:
يجب ألا يتجاوز في أسوأ الأحوال 300 كلمة، أكثر من هذا فهو بالتأكيد ليس اختباراً.
يجب أن يتألف من مقاطع صغيرة تُغطِّي مواضيع متنوعة، حسب مجال خبرتك أو ميولك.
يجب أن يكون موعد التسليم منطقي، فإذا طلب العميل (أو شركة الترجمة) تسليم الاختبار خلال ساعات فهذا يعني غالباً أنه ليس اختباراً.
النقطة الأهم والمشكلة الأكبر في عالمنا العربي هي أن الكثير من الشركات التي تطلب اختباراً للمترجم لا تُقدِّم تقويماً لهذا الاختبار أو أسباب رفض المترجم مُقدِّم الاختبار. ولهذا يجب على أي مترجم يفكر بتقديم اختبار اشتراط استلام feedback من العميل، ففي غياب هذا التقويم يكون المترجم قد أضاع وقته وجهده هباءً.
ثق بنفسك لكن لا تغتر!
من الأخطاء التي يرتكبها المترجمون الجدد هو قبول أي عمل في أي مجال. هذا الخطأ يمكن أن يهدد حياتك المهنية تهديداً كبيراً. يجب عليك قبل استلام أي عمل أن تكون متأكداً من قدرتك على القيام بهذا العمل على أكمل وجه. فكونك مترجماً مبتدئاً لا يعني أنه يجب عليك قبول أي شيء، والعميل لن يكون ممتناً عندما يستلم ترجمة سيئة أو خاطئة، وتأكد أنه لن يرحمك لأنك ما زلت مبتدئاً. هذه المهنة لا ترحم وإن لم تكن حذراً قد تتعرض لمواقف كفيلة بتدمير حياتك المهنية قبل أن تبدأ أصلاً.
الأجر
كثير منا يخجل من مناقشة الأجر! ولكن من الطبيعي جداً أن تناقش الأجر لأنك أنت في النهاية من تقوم بالعمل وتبذل الجهد والوقت والمال في سبيل تقديم ترجمة جيدة. ناقش الأجر قبل استلام أي عمل. والمترجم المبتدئ قد يضطر للقبول بأجر يقل عن الأجر المُتعارف عليه في بداية الأمر بحكم أنه لا يملك الخبرة الكافية، ولكن هذا لا يعني أن تقبل بالفُتات! ابحث وتحرَّ عن الأجور السائدة وقرر الأجر الذي تفرضه. ولاحظ هنا قلنا تفرضه وليس يُفرض عليك، أنت وحدك من تقرر أجرك.
موعد التسليم
من أهم الأمور التي يجب الاتفاق عليها قبل قبول أي عمل. فإذا جاءك عميل معه عشرة آلاف كلمة ويحتاجها خلال يومين، قل له ببساطة أنك غير قادر على استلام هذا العمل وتسليمه في هذا الموعد. ومرة أخرى، المترجم المبتدئ قد يخاف من رفض العمل وخاصة إذا كان من عميل جديد، ولكن قبولك بهذا العمل وهذا الموعد يعني أنك ستُسلِّم عملاً مليئاً بالأخطاء، هذا في حال أصلاً كنت قادراً على التسليم في الموعد المحدد. وعند تسليم جودة سيئة، صدقوني العميل لن يلوم نفسه لأنه وضع موعد تسليم مستحيل، بل سيلومك أنت وأنت فقط لأنك قبلت بهذا العمل.
التدقيق
إياك ثم إياك ثم إياك تسليم أي عمل قبل القيام بتدقيق كامل النص، والتدقيق يكون بتدقيق اللغة والنحو، أي الالتزام بقواعد اللغة العربية والتأكد من خلو النص من الأخطاء الإملائية، بالإضافة إلى التأكد من ترجمة كامل النص وعدم ترك فقرات.
مهارات البحث
من المهارات الأساسية للمترجم الناجح، والمترجم المبتدئ على وجه الخصوص. يجب عليك أن تتعلم كيف تبحث لتصل للنتيجة التي تريدها. والمبتدئ يجب أن يبحث عن كل شيء وكل مصطلح وكل موضوع. وبمجرد أن تبدأ ببناء “قاعدة بيانات” متخصصة ، ستجد أن الوقت الذي تُمضيه في البحث أصبح أقل.
اعتمد على نفسك
أنجح المترجمين هم الأكثر اعتماداً على أنفسهم والأقل اتكالاً على الآخرين. لا تنتظر أي شخص ليطرق بابك ويقول لك تعال لأعلمك الترجمة! مستحيل.
مواقع الترجمة
المواقع مثل Proz و Freelancer و Upwork وغيرها
هذه المواقع لن تُفيد المترجم بسبب تفاهة الأسعار المعروضة فيها، فأنت ستتنافس على الفتات وغالباً العمل يذهب للأدنى سعراً، صحيح أن بعض الجهات قد تنشر عملاً بسعر محترم، ولكن هذا الأمر نادر جداً. ولكن يمكن للمترجمين الاستفادة منها بالبحث على شركات الترجمة والاتصال المباشر مع الشركة.
وصلنا للنهاية، مقال طويل ولكني أتمنى أن تستفيدوا منه. للحديث بقية عن بعض الموارد المفيدة للمترجم.
والسلام ختام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Leave a Comment